فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي} فيه أربعة أوجه:
أحدها: فلا تتابعني.
الثاني: فلا تتركني أصحبك، قاله الكسائي.
الثالث: فلا تصحبني.
الرابع: فلا تساعدني على ما أريد.
{قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذرًا} قد اعتذرت حين أنذرت.
{فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَآ أَتَيآ أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا}.
اختلف في هذه القرية على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها أنطاكية، قاله الكلبي.
الثاني: أنها الأبُلة، قاله قتادة.
الثالث: أنها باجروان بإرمينية، قاله مقاتل.
{فَأَبَوْا إِن يُضَيِّفُوهُمَا} يقال أضفت الرجل إذا نزل عليك فأنت مضيف. وضفت الرجل إذا نزلت عليه فأنت ضيف. وكان الطلب منهما الفاقة عُذرًا فيهما. والمنع من أهل القرية لشحٍ أثموا به.
{فَوَجَدَا فِيها جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ} أي كاد أن ينقض؛ ذلك على التشبيه بحال من يريد أن يفعل في التالي، كقول الشاعر:
يريد الرمح صدر أبي براءٍ ** ويرغب عن دماءِ بني عقيل

ومعنى ينقض يسقط بسرعة، ويناقض ينشق طولًا. وقرأ يحيى بن يعمر {يُرِيدُ أَن يَنقَصَّ} بالصاد غير المعجمة، من النقصان.
{فَأَقَامَهُ} قال سعيد بن جبير: أقام الجدار بيده فاستقام، وأصل الجدر الظهور ومنه الجدري لظهوره.
وعجب موسى عليه السلام وقد {اسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا} فأقام لهم الجدار فـ: {قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} قال قتادة: شر القرى لا تضيف الضيف ولا تعرف لابن السبيل حقه.
قوله عز وجل: {قَالَ هَذا فِرَاقٌ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} فيه وجهان:
أحدهما: هذا الذي قلته {فِرَاقٌ بَيْنِي وَبَيْنِكَ}.
الثاني: هذا الوقت {فِرَاقٌ بَيْنِي وَبَيْنِكَ}.
{سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا} يحتمل وجهين:
أحدهما: لم تستطع على المشاهدة له صبرًا.
الثاني: لم تستطع على الإِمساك عن السؤال عنه صبرًا. فروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى لَو صَبَرَ لاَقْتَبَسَ مِنْهُ أَلْفَ بَابٍ». اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {ألم أقل لك}.
زجر وإغلاظ ليس في قوله أولًا {ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرًا} وقوله بعد هذا {يريد} بعدها القصة، فأعاد الضمير عليها وإن كانت لم يتقدم لها ذكر صريح، من حيث كانت في ضمن القول، وقرأ الجمهور: {فلا تصاحبني} ورواها أبي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقرأ عيسى ويعقوب: {فلا تصحبني}، وقرأ عيسى أيضًا {فلا تُصحبني} بضم التاء وكسر الحاء ورواها سهل عن أبي عمرو، والمعنى فلا تصحبني علمك، وقرأ الأعرج {فلا تَصحبنّي}: بفتح التاء والباء وشد النون، وقوله: {قد بلغت من لدني عذرًا} أي قد أعذرت إلي، وبلغت إلى العذر من قبلي، ويشبه أن تكون هذه القصة أيضا أصلًا للآجال في الأحكام التي هي ثلاثة، وأيام التلوم ثلاثة فتأمله، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم من {لَدُنّي} بفتح وضم الدال وشد النون.
وهي لدن اتصلت بها نون الكناية التي في ضربني ونحوه، فوقع الإدغام، وهي قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ نافع وعاصم {لَدُني} كالأولى إلا أن النون مخففة، فهي لدن اتصلت بها ياء المتكلم التي في غلامي وفرسي، وكسر ما قبل الياء كما كسر في هذه، وقرأ أبو بكر عن عاصم {لَدْني} بفتح اللام وسكون الدال وتخفيف النون وهي تخفيف {لدني} التي ذكرناها قبل هذه وروي عن عاصم {لُدْني} بضم اللام وسكون الدال قال ابن مجاهد وهي غلط قال أبو علي هذا التغليظ يشبه أن يكون من جهة الرواية فأما على قياس العربية فهي صحيحة، وقرأ الحسن: {لَدْني} بفتح اللام وسكون الدال، وقرأ الجمهور: {عذْرًا} وقرأ أبو عمرو وعيسى {عذُرًا} بضم الدال، وحكى الداني أن أبي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: «عذري» بكسر الراء وياء بعدها وأسند الطبري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا لأحد بدأ بنفسه، فقال يومًا: «رحمة الله علينا، وعلى موسى، لو صبر على صاحبه لرأى العجب، ولكنه قال: {فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرًا}» وفي البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يرحم الله موسى لوددنا أنه صبر، حتى يقص علينا من أمرهما»، وروي في تفسير هذه الآية أن الله جعل هذه الأمثلة التي وقعت لموسى مع الخضر، حجة على موسى وعجبًا له، وذلك أنه لما أنكر أمر خرق السفينة، نودي يا موسى أين كان تدبيرك هذا وأنت في التابوت مطروحًا في اليم، فلما أنكر أمر الغلام، قيل له أين إنكارها هذا من وكرك للقبطي وقضائك عليه؟ فلما أنكر إقامة الجدار نودي أين هذا من رفعك حجر البير لبنات شعيب دون أجر؟ وقوله: {فانطلقا} يريد انطلق الخضر وموسى يمشيان لارتياد الخضر أمرًا ينفذ فيه ما عنده من علم الله فمرا بقرية فطلبا من أهلها أن يطعموهما فأبوا، وفي حديث: أنهما كانا يمشيان على مجالس أولئك القوم يستطعمانهم، وهذه عبرة مصرحة بهوان الدنيا على الله، واختلف الناس في القرية: فقال محمد بن سيرين هي الأبلة. وهي أبخل قرية وأبعدها من السماء، وقالت فرقة هي أنطاكية، وقالت فرقة هي برقة، وقالت فرقة هي بجزيرة الأندلس، روي ذلك عن أبي هريرة وغيره، ويذكر أنها الجزيرة الخضراء، وقالت فرقة هي أبو حوران، وهي بناحية أذربيجان.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كله بحسب الخلاف في أي ناحية من الأرض كانت قصة موسى والله أعلم بحقيقة ذلك، وقرأ الجمهور: {يضَيّفوهما} بفتح الضاد وشد الياء، وقرأ أبو رجاء {يضيفوهما}، بكسر الضاد وسكون الياء وهي قراءة ابن محيصن، وابن الزبير، والحسن وأبي رزين، والضيف مأخوذ من ضاف إلى المكان إذا مال إليه، ومنه الإضافة، وهي إمالة شيء إلى شيء، وقرأ الأعمش {فأبوا أن يطعموهما}، وقوله في الجدار {يريد} استعارة، وجميع الأفعال التي حقها أن تكون للحي الناطق متى أسندت إلى جماد أو بهيمة فإنما هي استعارة، أي لو كان مكان الجماد إنسان لكان ممتثلًا لذلك الفعل، فمن ذلك قول الأعشى: البسيط:
أتنتهون ولا ينهى ذوي شطط ** كالطعن يذهب فيه الزيت والقتل

فأسند النهي إلى الطعن. ومن ذلك قول الشاعر: الوافر:
يريد الرمح صدر أبي براء ** ويرغب عن دماء بني عقيل

ومنه قول عنترة: الكامل:
وشكا إلي بعبرة وتحمحم

وقد فسر هذا المعنى بقوله لو كان يدري ما المحاورة البيت، ومنه قول الناس: داري تنظر إلى دار فلان، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم، لا تتراءى نارهما، وهذا كثير جدًا وقرأ الجمهور: {ينقض} أي يسقط، وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه {أن يُنقض} بضم الميم وتخفيف الضاد وهي قراءة أبي، وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعكرمة {أن يناقص}، بالصاد غير منقوطة بمعنى ينشق طولًا، يقال انقاص الجدار وطي البير، وانقاصت السن، إذا انشقت طولًا، وقيل إذا تصدعت كيف كان، ومنه قول أبي ذؤيب: الطويل:
فراق كقيص السن فالصبر أنه ** لكل أناس عبرة وحبور

ويروى عثرة وجبور بالثاء والجيم، وقرأ ابن مسعود والأعمش {يريد لينقض} واختلف المفسرون في قوله: {فأقامه} فقالت فرقة هدمه وقعد يبنيه، ووقع هذا في مصحف ابن مسعود، ويؤيد هذا التأويل قول، {لو شئت لتخذت عليه أجرًا} لأنه فعل يستحق أجرًا، وقال سعيد بن جبير مسحه بيده وأقامه فقام.
قال القاضي أبو محمد: وروي في هذا الحديث وهو الأشبه بأفعال الأنبياء عليهم السلام فقال موسى للخضر: {لو شئت لتخذت عليه أجرًا} أي طعامًا تأكله، وقرأ الجمهور: {لتخذت} وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {لتخذت} وهي قراءة ابن مسعود والحسن وقتادة وأدغم بعض القراء الذال في التاء، ولم يدغمها بعضهم، ومن قولهم تخذ قول الشاعر: المزق: الطويل:
وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها ** نسيقًا كأفحوص القطاة المطرق

وفي حرف أبي بن كعب: {لو شئت لأوتيت عليه أجرًا}، ثم قال الخضر لموسى بحسب شرطهما {هذا فراق بيني وبينك} واشترط الخضر، وأعطاه موسى أن لا يقع سؤال عن شيء، والسؤال أقل وجوه الاعتراضات، فالإنكار والتخطئة أعظم منه، وقوله: {لو شئت لتخذت عليه أجرًا} وإن لم يكن سؤالًا ففي ضمنه الإنكار لفعله، والقول بتصويب أخذ الأجر، وفي ذلك تخطئة ترك الأجر، والبين الصلاح، الذي يكون بين المصطحبين ونحوهما، وذلك مستعار فيه من الظرفية، ويستعمل استعمال السماء، وأما فصله، وتكريره {بيني وبينك} وعدوله عن بيننا، فلمعنى التأكيد، والسين في قوله: {سأنبئك} مفرقة بين المحاورتين والصحبتين، ومؤذنة بأن الأولى قد انقطعت، ثم أخبره في مجلسه ذلك وفي مقامه {بتأويل} تلك القصص والتأويل هنا المآل. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {قال ألم أقل لك}.
إِن قيل: لم ذكر {لك} هاهنا، واختزله من الموضع الذي قبله؟
فالجواب: أن إِثباته للتوكيد، واختزاله لوضوح المعنى، وكلاهما معروف عند الفصحاء.
تقول العرب: قد قلت لك: اتق الله.
وقد قلت لك: يا فلان اتق الله، وأنشد ثعلب:
قد كنتُ حَذَّرْتُكَ آلَ المصْطَلِقْ ** وقلتُ يا هَذا أَطِعْنِي وَانْطَلِقْ

فقوله: يا هذا، توكيد لا يختل الكلام بسقوطه.
وسمعت الشيخ أبا محمد الخشاب يقول: وقَّره في الأول، فلم يواجهه بكاف الخطاب، فلما خالف في الثاني، واجهه بها.
قوله تعالى: {إِن سألتك عن شيء} أي: سؤال توبيخ وإِنكار {بعدها} أي: بعد هذه المسألة {فلا تصاحبني} وقرأ كذلك معاذ القارىء، وأبو نهيك، وأبو المتوكل، والأعرج، إِلا أنهم شدَّدوا النون.
قال الزجاج: ومعناه: إِن طلبتُ صحبتك فلا تُتَابعني على ذلك.
وقرأ أُبيُّ بن كعب، وابن أبي عبلة، ويعقوب: {فلا تَصحبني} بفتح التاء من غير ألف.
وقرأ ابن مسعود، وأبو العالية، والأعمش كذلك، إِلا أنهم شددوا النون.
وقرأ أبو رجاء، وأبو عثمان النهدي، والنخعي، والجحدري: {تُصْحِبْني} بضم التاء، وكسر الحاء، وسكون الصاد والباء.
قال الزجاج: فيهما وجهان.
أحدهما: لا تتابعني في شيء ألتمسه منك.
يقال: قد أصحب المهر: إِذا انقاد.
والثاني: لا تصحبني علمًا من علمك.
{قد بلغت من لدني} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: {من لدنِّي} مثقل.
وقرأ نافع: {من لدُني} بضم الدال مع تخفيف النون.
وروى أبو بكر عن عاصم: {من لَدْني} بفتح اللام مع تسكين الدال.
وفي رواية أخرى عن عاصم: {لُدْني} بضم اللام وتسكين الدال.
قال الزجاج: وأجودها تشديد النون، لأن أصل لدن الإِسكان، فإذا أضفتها إِلى نفسك زدت نونًا، ليسلم سكون النون الأولى، تقول: من لدن زيد، فتسكِّن النون ثم تضيف إِلى نفسك، فتقول: من لدنِّي، كما تقول: عن زيد وعنِّي.
فأما إِسكان دال {لَدْني} فإنهم أسكنوها، كما تقول في عضُد: عَضْد، فيحذفون الضم.
قال ابن عباس: يريد: إِنك قد أُعذرت فيما بيني وبينك، يعني: أنك قد أخبرتني أني لا أستطيع معك صبرًا.